>
تاريخ النشر: الخميس 23 ديسمبر 2010
بيوت طينية قديمة، قلاع شامخة منذ أزمان، مطارات وطائرات من عصر الطيران الأول، حشود من البدو في عالم الصحراء، جنود عرب وأجانب ببزاتهم الكاكية وبناطيلهم القصيرة، سفن ومراكب قادمة من أزمنة غابرة، هذه وسواها شيء من محتويات وعناصر معرض للصور القديمة أقيم في دبي مؤخراً، وحمل عنوان “ذاكرة الزمن”، هذا المعرض الذي يحمل رائحة الزمان والمكان والإنسان، ويستحق أن يحفظ في كتاب يليق بهذه الصور الفريدة.
ثمة عبارة يكررها الكثيرون هي: “عندما تتحدث الصورة” و “زمن الصورة” في إشارة إلى ما يمكن أن نسميه “بلاغة الصورة”، أي مقدرة الصورة على التعبير وتقديم المعنى والدلالة، الصورة التي باتت أشد الفنون مقدرة على التعبير. ونحن هنا أمام مجموعة من الصور التي تمتلك هذه المقدرة الخارقة، من حيث قدرتها على حملنا إلى زمن يعود إلى عقد الثلاثينات من القرن العشرين، ومن حيث تناولها جوانب من الحياة العربية، في عدد من أقطار العرب عموما، ودول الخليج خصوصا، حيث استطاع المصور تثبيت لحظات زمنية معينة في وضع محدد.
توثيق بصري
المصور هنا ليس سوى عسكري بريطاني هاو للتصوير، هو هارولد آلسوب، مسؤول الطيران بالإنابة في مدرسة تدريب الطيران في الشرق الأوسط في الفترة ما بين أغسطس 1932 إلى نهايات 1935، والمعرض نظمته مؤسسة السركال الثقافية بالتعاون مع دار ابن الهيثم في صالتها في منطقة البستكية التاريخية بدبي، ويضم مجموعة من الصور تعود إلى هذا الضابط الذي عرف عنه شغفه بالتصوير، هذا الشغف الذي دفعه إلى توثيق ذكرياته في هذه المنطقة عن طريق التقاط العديد من الصور خلال فترة وجوده في دول الشرق الأوسط مثل سوريا، العراق، البحرين، عمان، اليمن، المملكة العربية السعودية، مصر وفلسطين، متيقنا أن مثل هذه الصور قد تصبح في يوم من الأيام تاريخاً ومرجعاً، ليس له وحده فقط وإنما لشعوب الشرق الأوسط بأكمله. وقد توفي آلسوب في 12 يناير 1991 عن عمر يناهز 82 عاماً في مسقط رأسه بريطانيا.
وجدت هذه الصور طريقها إلى ابن المصور، ثم حفيده، ثم إلى مؤسسة السركال الثقافية التي نجحت من خلال تعاونها مع جون باتريك آلسوب، وهو ابن الراحل صاحب الصور باستضافة هذا المعرض، في محاولة منها “إلى توسيع رقعة التواصل بين الناس من جميع مناحي الشرق الأوسط، كما أن مثل هذه المعارض تساعد على دمج الفن والثقافة بين الشرق والغرب، وكذلك تعريفهم إلى ملامح من تاريخ منطقة الخليج العربي والمناطق المجاورة، ومدى التطور والتنوع الحضاري والثقافي الذي تعيشه دولة الإمارات إلى جانب تلك الدول”.
و”ذاكرة الزمن” سجلّ في 150 صورة تسجل ملامح من ذلك الزمن الذي عاشته منطقة الخليج العربي في ثلاثينات القرن الماضي. سجل بصري لبعض المناطق التي مّر (آلسوب) بها أو حط بها كسلطنة عُمان والبحرين وفلسطين والأردن والمناطق الكردية في العراق في عام 1933. صور طائرات جاثمة في محطة طائرات الشارقة، وجانب الاستراحة، وبعض الصور الجوية لساحل رأس الخيمة، وصور لأهرامات مصر. وهي تختزل كتباً عن تلك المرحلة، فهي تسجل ذاكرة بشر كانوا يكافحون من أجل حياة أفضل، وتعرض لنا جوانب من الحياة بأبعادها الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية، ومن هنا، فهي تمثل قيمة كبيرة لأنها توثق حقبة تاريخية مرت عليها فترة زمنية طويلة تغيرت خلالها الكثير من الملامح والمعالم، ونستطيع الآن أن نرى هذا التاريخ القديم رؤية العين من خلال صور المعرض الذي يمثل أحد أشكال دمج الفن بالثقافة بين الشرق والغرب.
الصور تظهر الكثير: طبيعة ملابس الناس، أشكال العمران في البيوت والقلاع وطبيعتها، معالم الصحراء برمالها، والجبال بأشجارها، والبحر بما فيه من كائنات وبمن فيه من صيادين و “مراكبية” وغواصين، العسكر بطائراتهم الشراعية وسياراتهم التي لا نراها سوى في الأفلام، بيوت من سعف النخيل، سفن ضخمة وعمال وأكياس ومخازن… وغيرها.
قصة الصور
وتبرز الصور أيضاً اهتمامات آلسوب الذي يبدو أنه كان ينغمس في المكان ويعرف ما يريد، فهو لا يكتفي بالبقاء على متن طائرته، بل ينزل إلى الشوارع ليلتقط نبضها وتفاصيل حياتها، يلتقط مشاهد معبرة عن عادات وتقاليد، فتفتح أبواب المخيلة على ذاكرة الزمن، وتحولات المكان، لترسم لنا صورة ما كان عليه حال الأسلاف، فنقرأ جزءا من تاريخ المنطقة وذكرياتها، عبر صورة غربية لكنها تبدو بريئة وليست ذات أهداف شريرة، رغم الوجود العسكري في الكثير منها، فهذا هو عالم المصور الذي كان يلتقط هذه الصور لتوثيق ذكرياته عن المنطقة خلال فترة وجوده بالشرق الأوسط، وليس أمراً فنياً بحتاً.
وعن قصة هذه الصور يقول الابن إنه ورثها عن أبيه، ولكنه أودعها في مخزن طيلة عشرين عاماً، ولم يطلع عليها ولم يعرف عن مضمونها شيئاً سوى أنها جزء من ذكريات أبيه عن الشرق الأوسط إلى أن جاء ابنه، أي حفيد الطيار، ليكشف عنها. وقد لعب رئيس مؤسسة السركال الثقافية أحمد بن عيسى السركال، ومدير الجمعية الإماراتية لهواة التصوير سعيد الشامسي، الدور الأساس في حيازتها لتعرض في دبي، وسوف تصدر في كتاب قريباً.
ويضيف: هذه المجموعة من الصور تعتبر أفضل اللقطات التي أخذها والدي الذي كان من هواة التصوير، وساعدته وظيفته التي كانت تمكنه من التنقل بين العديد من المناطق في العالم على أن يلتقط مئات الصور التي تؤرخ لمشاهداته في الأقطار المختلفة، والتي أصبحت اليوم ذات قيمة عظيمة لأنها تؤرخ لتطور الشعوب.
أما منظم المعرض سعيد الشامسي، مدير عام دار الهيثم للتصوير البصري، فيقول: دور الوسيط الذي قمنا به لإتمام الاتفاقية بين مؤسسة السركال الثقافية وابن المصور لاستغلال الصور في المعرض سوف يمتد لبحث إمكانية عمل كتاب يضم هذه الصور النادرة والغنية جدا بالأحداث والمعالم، ليس فقط لمنطقة الخليج ولكن للعديد من الدول العربية.
الرابط : http://www.alittihad.ae/details.php?id=89227&y=2010